أهمية الأمثال في القرآن

ضرب المثل من الأساليب القرآنية المعهودة والتي تعمل على تقريب المعنى من خلال ضرب الأمثلة المعروفة . 

أقوال العلماء في ضرب المثل :

يقول ابن القيم في أهمية الأمثال في القرآن : "ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور التذكير والوعظ والحث والزجر والاعتبار والتقرير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره في صورة المحسوس بحيث يكون نسبته للعقل كنسبة المحسوس إلى الحس، وقد تأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر على المدح والذم ، وعلى الثواب والعقاب ، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر وإبطال أمر ".

يقول الإمام الألوسي صاحب التفسير روح المعاني : "فلضرب المثل شأن لا يخفى ونور لا يطفى يرفع الأستار عن وجوه الحقائق ويميط اللثام عن محيا الدقائق ويبرز المتخيل في معرض اليقين ويجعل الغائب كأنه شاهد، وربما تكون المعاني التي يراد تفهيمها معقولة صرفة ، فالوهم ينازع العقل في إدراكها حتى يحجبها عن اللحوق بما في العقل فبضرب الأمثال تبرز في معرض المحسوس فيساعد الوهم العقل في إدراكها، وهناك تنجلي غياهب الأوهام ويرتفع شغب الخصام {وَتِلْكَ ٱلاْمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (الحشر: 12)


يقول الزمخشري أن الحكمة من ضرب المثل : أن الأمثال لها شأن كبير في إيراز خفيات المعاني ورفع الستار عن الحقائق حتى يريك المتخيل في صورة المتحقق والمتوهم في معرض اليقين والغائب كأنه شاهد .


يقول الزركشي :أن الغرض من ضرب المثل تشبيه الخفي بالجلي والشاهد بالغائب فالمرغب مثلا في الإيمان مثلا إذا مثل له بالنور تأكد في قلبه المقصود والمزهد في الكفر إذا مثل له بالظلمة قبحه في نفسه .

كما جعل ابن عباس معرفة الأمثال القرآنية من الحكمة التي يؤتيها الله للعبد المسلم 
فقد روى الطبري بسنده عن ابن عباس قال في قوله : " وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا "
يعني: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله .

و من أمثال القرآن العظيم ، مثل سورة الرعد ، 
قال الله تعالى: { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: 17].

قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – : ذكر سبحانه المثلين المائي والناري في سورة الرعد ولكن في حق المؤمنين، فقال تعالى: { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ}.
شبّه الوحي الذي أنزله لحياة القلوب والأسماع والأبصار، بالماء الذي أنزله لحياة الأرض بالنبات، وشبّه القلوب، بالأودية.
فقلبٌ كبيرٌ يسعُ علمًا عظيمًا، كوادٍ كبيرٍ يسعُ ماءً كثيرًا.
وقلبٌ صغيرٌ إنما يسعُ بحسبه، كالوادي الصغير.
{فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} واحتملت قلوب من الهدى والعلم بقدرها، كما أنّ السيل إذا خالط الأرض ومرّ عليها احتملت غثاءً وزبدًا، فكذلك الهدى والعلم إذا خالط القلوب أثار ما فيها من الشهوات والشبهات؛ ليقلعها ويذهبها، كما يثير الدواء وقت شربه من البدن أخلاطه، فتكرب بها شاربه، وهي من تمام نفع الدواء، فإنه أثارها ليذهب بها، فإنه لا يجامعها ولا يساكنها، وهكذا {يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ}.
ثم ذكر المثل الناري فقال: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} وهو الخبث الذي يخرج عند سبك الذهب والفضة والنحاس والحديد فتخرجه النار وتميّزه وتفصله عن الجوهر الذي ينتفع به، فيرمى ويطرح ويذهب جفاء، فكذلك الشهوات والشبهات يرميها قلب المؤمن ويطرحها ويجفوها كما يطرح السيل والنار ذلك الزبد والغثاء والخبث، ويستقر في قرار الوادي الماء الصافي الذي يسقي منه الناس ويزرعون ويسقون أنعامهم كذلك يستقر في قرار القلب وجذره الإيمان الخالص الصافي الذي ينفع صاحبه وينتفع به غيره.
ومن لم يفقه هذين المثلين ولم يتدبرهما ويعرف ما يراد منهما فليس من أهلهما. والله الموفق..

المرجع: الأمثال في القرآن الكريم لابن قيم الجوزية
شارك : أهمية الأمثال في القرآن

تعليقات فيسبوك

مدونة رحيق العلم الشرعي المدونة الانجليزي مدونة الدروس صناعة المُحاوِر