الصدمة الحضارية وأثرها على المسلمين


❗《الصدمة الحضارية وأثرها على المسلمين》❗

الصدمة الحضارية هي ⬅الانبهار بماعند الآخرين من حضارة حسية كانت أو معنوية يفتقدها المنبهر في واقعه، فيخلف له هذا الفقد اعتقادا مفاده أن قيمه هي سبب تخلفه، وأن الحل في نبذها؛ فينبذها!!


⬅ كيف تحصل هذه الصدمة؟

تحصل نتيجة لأمرين، يحتاجهما الإنسان :

1⃣● العزة:
أكثر مايبغضه الإنسان هو أن يعيش ذليلا، سواء هو بنفسه كفرد، أو بانتمائه إلى مجتمع ذليل؛ فالعزة من أهم حاجات الإنسان، لدرجة أنه مستعد أن يترك بلده وكل مايتوفر له فيه إن حصلت منه خطيئة ما جعلته يشعر بالمذلة، ليرحل إلى بلد يعيش فيه عزيزا، مما يدل على أن عزته هي أهم مالديه، وهذا أمر لايدركه كثير من الناس، حتى المستقيمين منهم، وبالتالي لايتم نقاشه كما ينبغي .


2⃣● التفوق والعلو :
وهذا أيضا حاجة من حاجات الإنسان يسعى إليها على اختلاف النيات والمقاصد ومتعلقات التفوق، خصوصا إن كان ذا همة عالية؛ فهذا إن لم يوضع له سياج صحيح؛ فيمكن لهذه الحاجة أن تنقله للخطأ، وذلك حين يرى المسلمين اليوم لا همة لهم لا في شأن الدنيا ولا في شأن الآخرة - وهذا واقع لاينكر - !


ولقائل أن يقول هنا: إن كان هذا حاجة من حاجات الإنسان؛ فلم يلام على طلبها؟

⬅كيف نناقش هذا؟

نقول:

☆🌟☆أما العزة؛ فلا أحد ينكر عليه أن يكون عزيزا؛ فالله من أسمائه (العزيز )، وله العزة ، وهو الذي يعز ويذل، والعزة قيمة لابد أن يحملها الإنسان؛ لكن يجب أن يعرف الطريقة التي تحصل بها العزة :

- ينبغي أن يعلم أن هناك فرقا شاسعا بيننا وبين غيرنا من الأمم؛ فغير المسلمين يبتليهم الله بأمور تحصل لهم بسببها العزة؛
👈🏾 أما أهل الإسلام فلا يعزهم الله أبدا إلا بالإسلام، وهذا شيء يجهله الكثيرون، وقد فقهه عمر رضي الله عنه قبل أن تمر على الأمة تجارب وتجارب تزيد اليقين بصحته، فقال :
"نحن قوم أعزنا الله بالإسلام؛ فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله."

- 👈🏾وينبغي أن يعلم أن المسلمين مهما ارتفعت مراتبهم العلمية والمادية، ومهما احتاجهم الآخرون؛
⬅فلن يعطوهم شعور الانتماء للأعزاء؛ وسيبقون يقلبون لهم ظهر المجن، ويظهرون لهم ازدرائهم عند أدنى احتكاك، وهذا منطقي؛ لأن الشخص الذي لا يعتز بما عرف أنه حق وصواب، ويخلع رداءه ليستمد العزة من أردية الآخرين؛ لن يستطيع أحد احترامه، لفقده أحقية الاحترام من أساسها.

هناك⬅ قصص كثيرة من خلع رداء الدين أو خلع العزة به على الأقل، خصوصا مع التهجير الحاصل للمسلمين المضطهدين، لكن هناك الكثير ممن لايزال متمسكا بعزته، ويعلم أن هذا كله اختبارات من الله يختبر بها، ويثبته الله فيبقي الإيمان وعزته في قلبه لايختار عليه شيئا !


☆🌟☆وأما عن العلو والارتفاع؛ فالكلام فيه كالسابق:
هو حاجة لا يلام طالبها لمجرد طلبها؛ إنما اللوم على الجهل في طريقة تحصيلها :

الناس يتفقون على أن واقع المسلمين اليوم مؤسف من جهة العلو؛ لكنهم يختلفون في طريقة معالجة الواقع،

و⬅ليتضح ذلك نضرب هذا المثال:

🍂الخوارج : رأوا منكرات في الواقع؛ فكفروا الناس، وبناء عليه استحلوا دماءهم ،
🍂ونحن ايضا نرى تلك المنكرات كما يرونها؛ لكننا نختلف في توصيف الحلول، فلا نكفر الناس ولا نستحل دماءهم،

لذلك نقول:

《الاشتراك في وصف الواقع لايعني الاشتراك في وصف الحلول》؛ بل يحصل الاختلاف بناء على أمور، منها:

** القاعدة الإيمانية ،،
** القاعدة المعرفية ،،
** والحكمة في التصرف ،،
والناس يتمايزون جدا بناء على هذا، ففي كلامنا عن الانبهار يرى المنبهرون مايراه غيرهم من حال المسلمين؛ لكنهم يختلفون عنهم في رؤية الحل وتبنيه، ولو أنصفوا لعلموا أن الحل ليس بنبذ القيم والحياء من الانتماء للإسلام؛ فإن الإسلام ضمن العلو والارتفاع للمسلمين، قال تعالى :
{ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين }، وقال عن ذي القرنين : { وآتيناه من كل شيء سببا● فأتبع سببا }،

فينبغي للمؤمنين طلب الرفعة والسلطة؛ لكن لمطلبهم هدف يوجه هذه الحاجة إلى شيء سام نافع للبشرية أجمع، وهو إقامة دين الله، في حين أن غيرهم يطلبون القوة والسلطة لأجل التحكم بالناس وإذلالهم، كما فعل قارون حين خرج على قومه في زينته، ولاينكر هذا إلا جاهل أو معاند .

إن أخطر مايمكن أن يخرج به الناس من هذا هو أن يتوهموا أنه مادامت السلطة عند الآخرين إذن هم على حق!!!

هذا الاقتران أبعد مايكون عن الصواب؛ فلا العقل يؤيده، ولا الواقع، وانظر لتتيقن إلى حضارة الفراعنة :
إنها لم تمر على الإنسانية حضارة كحضارتهم؛ بل كثير من الحضارات هي موروث عن حضارتهم، ومع ذلك صب الله عليهم سوط عذاب !!

العقول الضعيفة التي لم تتأسس بالتفكير الصائب تنبهر وتربط بين هذا وهذا !

لا تلام إن طلبت لنفسك ولقومك العزة والسلطة؛ لكن تلام إن اعتقدت أن طريقهما هو الانبهار بحضارة الآخرين والدخول تحتها، غير مبال بأن مافررت منه من الذل، والتأخر سيصيبك أكثر منه في خطوتك الضعيفة هذه !

انظر إلى اليابان حين دمرتها قنبلة الإجرام كيف قام فيها ذوو الهمم العالية؛ فبنوا لأنفسهم سلطة تشبع حاجتهم لعزة الانتماء، حتى لو كانت معنوية عن طريق الألكترونيات !

ونحن المسلمون لاتنقصنا قواعد الحضارة؛ بل إن منهجنا يملأ الكون بضيائه، والحضارة التي تعيش في أحضانه لا يشبهها في الحضارات أي شيء !

هل تعلم لم ذاك؟

هل تريد أن تعلم لم ذاك؟

إنك لو فتشت مافتشت لن تجد بين الحضارات حضارة مقصودها الإنسان نفسه - تحضره وتمدنه جسدا وروحا، سرا وعلنا، مع العدو والصديق - إلا حضارة الإسلام !

قلب بصرك كرة بعد كرة ...سيرتد إليك البصر خاسئا وهو حسير!

يجب أن نفرق بين الإنسان المتحضر وبين المدن المتحضرة،
صحيح أنه من الطبيعي أن نتصور أن الأفراد المتحضرين يبنون مدنا متحضرة؛ لكن لنرى هل هذا متلازم؟

لنجيب عن هذا السؤال:

متى تكون الحضارة اسما على مسمى، ومتى تكون كذبا على النفس؟
الحضارة الحقيقية هي الحضارة المبنية على العدل والتوحيد، ومعنى هذا : أن كل أمر يقدمه أهل هذه الحضارة لأنفسهم ومجتمعاتهم يوحدون الله فيه، ويبذلون كل قوتهم في الإحسان لخلقه، غير منتظرين منهم جزاء أو شكورا !

ما أثر هذا على صدق أحقية الحضارة بهذا الاسم؟

إذا قامت الحضارة على التوحيد؛ فلا خرافات، ولا كذب على الناس، ولا استغلال لهم!
وإذا قامت على العدل؛ نضجت العلاقات بين الناس، وقامت على سوقها؛ فعدل الرجل مع زوجه، والأبناء مع والديهم، والرئيس مع مرؤسيه، وحصل العكس أيضا !

في مدنية الإسلام حال الإنسان في النور كحاله في الظلام؛ بل ربما كان في الظلام أتقى لربه؛ لأنه حين يخلو بربه يرجو منه غفران كل خطيئة صدرت منه !

في مدنية الإسلام حال الإنسان في انفراده كحاله في اجتماعه، لايعامل الخلق بصورة حسنة؛ ثم إذا اختلى عنهم خانهم وطعنهم في ظهورهم !

الإسلام يأتي بالشخص المتمدن تلقائيا، يجعله صاحب حضارة في (نفسه)، لأنه يقصد بأفعاله وجه الله، ويعدل بأداء الحقوق و الأمور في مكانها !

عند التعامل مع المال تظهر معادن الحضارات، ومقاصدها، ولو نظرت إلى باب مثل باب البيوع في الإسلام؛ لأصابك العجب !

باب قائم كله على بقاء ( الأخوة ) بين المسلمين :

*ممنوع أن يستقبل الحاضر الباد ويبيعه سلعة، كي لايغبن !

*ممنوع أن تدخل في مزاد وأنت لاتريد الشراء !

*ممنوع أن تشتري على شراء أخيك !

*ممنوع بيع الذهب قبل معرفة سعره كي تسلم القلوب!

*ممنوع ان يبيع الجار بيته قبل عرضه على جاره!

شريعتنا الشريفة مبناها ألا يقع الظلم بين الناس؛ لكن الجرح كل الجرح أن أبناءنا لايعرفون محاسنها !

《 خذلها أهلوها فدفنوها، وليس لمثلها أن يدفن 》!!

محاسن الدين تزيد المقبل إقبالا، وتأتي بالمعرض!

لايعمى عن محاسن الدين إلا أعمى، أو ذو قلب مريض، وإلا فكل ذي نظر وفطرة سوية يستدل من إرشادات الدين الشاملة لكل أمورنا الأصلية والطارئة على حسنه وكماله!

يستدل من كون قواعد الدين وأصوله تامة الوضوح، مبرهن عليها بأعلى انواع البراهين سطوعا، على حسنه وكماله !

يستدل من كون الدين سد الحاجة التي يلهث كل الناس وراءها جاهلين أنه ضمنها لهم بأعلى صورها، وهي الحاجة إلى السعادة وانشراح الصدر على حسنه وكماله!

《إن كل عقيدة تعتقدها إنما هي باب للسعادة 》:

أمر الله بالتوكل، ووعد وهو الملك أن يكفي المتوكلين مايهمهم، فليس عليك لتصل إلى مرادك إلا أن تعتمد عليه، وهذا وعد من يصدقه يلج باب السعادة !

أخبر أن الرزق مكتوب، -والرزق من اكثر الأبواب إدخالا للأحزان - وأخبر أن الرضا به يسبب البركة فيه؛ فمن يتيقن بهذا يلج باب السعادة !

كل الدراسات اتفقت أن اكثر الناس سعادة أكثرهم رضا، ومن عباداتنا الرضا عن الله وعما قسم الله؛ بل إننا مأمورون بتكرار ذلك على قلوبنا صباحا ومساء: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا!

عندنا السميع الذي يسمع نداءنا،
القريب الذي يعلم أحوالنا،
المجيب الذي يجيب دعاءنا،
الوكيل الذي نكل إليه أمورنا فيتولاها،

فأين تجد في غير هذا السعادة؟!

حضارات الآخرين لاتهتم بالأرواح بدليل أنه لايهمها أن يكفر أهلها ويلحدون، وفي أسوأ انواع التعاسة يقعون !

شعارها: افعل ماشئت طالما أنه ليس هناك قانون يجرمك، والقانون لا يلقي على مسألة الروح نظرة، وليس لأمرها أي اعتبار !

القوم من كثرة ماأطاعوا شهواتهم لم يعد الحلال يكفيهم؛ فانتقلوا للحرام، ثم لم يعد الحرام يكفيهم؛ فانتقلوا للشذوذ والمثلية، والناس يظنون أنهم سعداء مستمتعين ولايعرفون أنهم من درك إلى درك، لاشيء يرضيهم ، وخير شاهد على ذلك ارتفاع معدلات الانتحار والجريمة والشذوذ !

لكي تقيس حضارة ما انظر إلى نتاجها الإنساني، ودع عنك عرض الطرقات، وطول العمارات؛ فما أسهل بناء هذا، وما أشق بناء الإنسان!

كل شيء في الإسلام موجه نحو الإنسان: يرعاه ويهيئه ليسير إلى جنات النعيم، وإذا ضعف ومال عن رشاده؛ فحملة عرش الرحمن تستغفر له، ولمة الملك توقظه، ورسالة الله المرسلة له تعيده !

الإنسان في حضارة الإسلام ليس سلعة، وفي الحضارات الأخرى هو سلعة المدنية!

انظر ليثار منك إنصاف المنصفين - حتى لو لم تكن مسلما - إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا "!

يعني لو مست بشرتك صرت صاحب حق،، ولأجل حقك كان على من يدخل المسجد أن يمسك نصال نباله الحادة !!

أنت محترم في الإسلام، قطرة الدم منك غالية عند رب العالمين:
إذا قتلت؛ فكأنما قتل الناس جميعا، وحضارة الآخرين تنسف العالم بقنبلة !

انظر إلى حضارة أمريكا على ماذا بنيت؟

انظر في وقائع حرب الأفيون كيف تجبر بريطانيا الصين كي تكون أرضا للمخدرات وترويجها!

انظر إلى الإتحاد السوفياتي لما أراد شق طريق سيبيريا كيف دفن مليون روح إنسانية في طريقه!

انظر إلى عمليات شراء أعضاء البشر، وخطف الأطفال، وخديعة الشعوب بالأمراض والأدوية والغذاء!

ولو كان كل هذا سرا لعذر المنبهر بهم؛ ولكنه علن مكشوف؛ إلا أن الهوى يعمي ويصم!

ولو كان المنبهر بهم معدوما؛ لكان له ألف عذر وعذر، فكيف وهو يملك بين يديه (جوهرة ) زوده بها رب الأرض والسماء؛ فيبدلها ب(زجاج ) اشترك في صناعته كل ناقص عقل ومتبع هوى، أو مصلح يجرب نظرياته على البشر؛ ثم يحذف ويضيف بناء على مآسيهم العميقة الناتجة عن فلسفته !

اعلم أنه ما انبهر منبهر أبدا إلا بسبب حب الدنيا وطلبه لها، ولو كان قلبه محلا للآخرة؛ لعلم أن صبره على واقع أهله، ومساعدته لهم في زمن محنتهم؛ خير له من دنيا القوم المزين ظاهرها، الخواء الخرب باطنها!

من كان يعبد الله على حرف؛ فإن دين الله لايحتاجه!

إن دين الله عزيز ......إن الله عزيز !

إن حضارة الإسلام كما شملت الجميع - فلايخفى على أحد أن رجال الحديث ليسوا عربا ابتداء بالبخاري، وأن رجال اللغة ليسوا عربا ابتداء بسيبويه، وهذا دليلها وبرهانها على كونها كالأم الحانية: كل من أراد أن يستظل بظلها أظلته - إلا أنها في غنى عمن رضي بالغشاوة على عينيه؛ فحسب الزجاج جوهرا، ورضي بالران على قلبه وتفكيره؛ فحسب الورم شحما !

{ يحسبه الظمآن مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا }!

أ.أناهيد السميري -حفظها الله -
شارك : الصدمة الحضارية وأثرها على المسلمين

تعليقات فيسبوك

مدونة رحيق العلم الشرعي المدونة الانجليزي مدونة الدروس صناعة المُحاوِر